أين “البطولات” يا عرب؟!
وكأنّ كرة القدم العربية أصابها القحط والجفاف، ذبلت وشاخت قبل أوانها، وفيما بينها خفّت اللقاءات الخاصة والتجمعات التي تثلج الصدور وتدخل السرور والحبور.. بالأمس كانت بطولات ودورات على مرّ السنوات لها طعم مميز وبريق يجذب الأنظار!
هل طالت “الثورات” قلب الكرة العربية وذبل ربيعها؟ هل أصبح ممنوعًا على جمهور الملاعب من الأجيال الجديدة أن يشهد حفلات “التلاقي” الأخوي بين الأشقاء من الخليج إلى المحيط؟ لا ينبغي أن نعتب على زماننا أو “نواسي” أنفسنا بالتقدّم التكنولوجي والرقمي.، كما لا ينبغي أن نتحوّل إلى جمهور شاشات ومقاهي ومنتديات..
قبل سنوات كان العرب يجتمعون في بطولات باتت اليوم في عالم “النسيان والذاكرة”.. كانت الملاعب لا تنام وكانت كل دولة عربية تسلّم الراية إلى دولة أخرى..
عن بطولات غابت أتحدث!
أين بطولة “كأس العرب” للمنتخبات التي كانت بمثابة عرس جماعي يتحدّث عنه الجميع، لقد أضحت هذه البطولة “نسيًا منسيًا”، وكانت تترافق معها بطولة “الفئات العمرية” مثل الشباب والناشئين…
أين مسابقة “بطولة الأندية العربية السنوية”، وهي كانت تجمع ألمع وأشجع الفرق التي تبلغ النهائيات بعد أن تقطع مراحل التصفيات، وكانت “الشغل الشاغل” لرجال الصحافة والإعلام والجماهير؟!
أين البطولة الموازية “كأس الكؤوس العربية” التي ترضي الأذواق وتبلسم جراح الفرق التي لم يحالفها الحظ في المشاركة بمسابقة “الأبطال”، بل تسعى هذه الفرق إلى مشاركة أفضل في العام الذي يليه و”تشحذ الهمّة” للمنافسة على لقب الدوري في بلدانها؟
أين مسابقة “كأس فلسطين للشباب” التي تُبرز لنا وجوهًا شابة يافعة، تصبح فيما بعد أعمدة راسخة في المنتخبات الوطنية؟! أين بطولة “الأندية الخليجية” التي جُمّدت وحُفظت في الثلاجة، وهي التي كانت تتلألأ في الماضي؟! أين البطولات الجامعية والمدرسية والعسكرية التي تعزّز الشعور القومي بين الشعوب العربية؟؟
اشتاقت الأقلام أن تكتب، والكاميرات أن توصل الصورة إلى كل بيت عربي، والجماهير إلى مشاهدة “الأهلي المصري” يلاقي “الهلال السعودي”، و”الوداد البيضاوي المغربي” يحلّ ضيفًا على “الفيصلي الأردني”، و”السدّ القطري” يواجه “الترجي التونسي” وهكذا دواليك..
لا بدّ للاتحاد العربي لكرة القدم أن يعيد النظر في ضرورة إحياء هذه البطولات والتجمعات، التي تسهم في تعزيز التعاون بين دول المنطقة العربية، فهي بمثابة احتكاك فنّي في الدرجة الأولى، وتسهم إلى حدّ بعيد برفع المستوى الكروي، الذي أصابه الوهن، من جديد. فالعرب مجتمعين يحقّ أن تكون لهم بطولاتهم الخاصة، على غرار “كأس الأمم الأوروبية” و”بطولة أميركا الجنوبية” و”كأس آسيا”، ومن ناحية ثانية هي محفّز “إعلاني ودعائي” ترفع من المداخيل وتغذّي صناديق الاتحادات الوطنية. كما يمكن أن تكون مصدر تلاقي الاخوة الإعلاميين، كما كان يحصل في الماضي، على منصات الملاعب وداخل المراكز الإعلامية.. كانت الحياة أشبه بـ “خليّة نحل” ولا بد من إعادة جدولة كل ما سبق.
أعيدوا أمجاد الاتحاد الذي تأسّس عام 1974 وكان نشيطًا ومفعمًا بالزخم، وخاصة في ولاية المغفور له الأمير فيصل بن فهد بن عبد العزيز. وهي كذلك رسالة إلى الرئيس الحالي الأمير عزيز بن تركي، بأن يعيد رسم خارطة طريق جديدة وفق الامكانيات المتاحة، والتي من المتوقع أن تكون ازدادت “كمًّا ونوعًا” عن ذي قبل؛ فعملية إحياء “الموروث الرياضي” بقالب متناغم وعصري، يعيد الكرة العربية إلى السكّة الصحيحة ويرفع من فرص النجاح ومن مستويات فرق المنطقة ومنتخباتها، إذ أن تحقيق الطموحات العالمية لا بدّ أن يمرّ بالبيت الداخلي أولًا.
وكما هو معلوم، فإنّ الاستمتاع بالعمل يضفي عليه المثالية الكاملة، والنجاح الكبير لا يأتي إلّا من خلال نجاح صغير ينمو ويكبر.. وهكذا هي عجلة دوران الحياة، أو كما قال الفيلسوف اليوناني الشهير أرسطو: “إن المستقبل يصنعه العمل.. لا الاعتزال!”.
سامر الحلبي